التعريف الأول المقدم في القاموس يُعرِّف اللعب باختصار على أنه "ممارسة الغمار"، في حين يُعرفه الثاني على أنه "لعب الألعاب التي تحاكي ظروفاً فعلية ( كالمهن والحروب) بغرض التدريب أو الاختبار على وجه الخصوص.[1] رغم ذلك تحيل الكلمتان الواردتان بين قوسين في التعريف الثاني (المهن والحروب) بشكلٍ ضمني لعلاقةٍ بين الألعاب والإيديولوجيا، أخذاً بعين الاعتبار العلاقة الطبيعية بين حقول الاقتصاد والسياسة والإيديولوجيا، في حين يحيل المعنى الأولي للألعاب لحقل الترفيه والتسلية.
ولكن بعد دخول مفهومي البروباغاندا والإيديولوجيا كأسلحة حربٍ موازية، خصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية، يبدو أن حقلي السياسة – الإيولوجيا بالضرورة- والترفيه قد اندمجا للأبد. استخدم النازيون الراديو كوسيلة اتصال وخداع جماهيري، في حين استحدثت الولايات المتحدة الأمريكية ما يسمى "بلجنة النشاطات غير الأمريكية" HUAC في بداية ما يُسمى بالحقبة الماكارثية، وتتمثل مهمتها في قمع نشاطات الشيوعيين والنازيين في الداخل الأمريكي من خلال إصدار لائحة سوداء تستهدف أجندةً شيوعية مزعومة تحاول اختراق هوليوود وصناعة السينما بشكلٍ عام. في وقتٍ لاحق ستتم تسمية "مبادرة الدفاع الإستراتيجي" لرولاند ريغان، الذي كان عضواً في لجنة النشاطات غير الأمريكية قبل انتخابه رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، ستتم تسمية المبادرة بـ "حرب النجوم"، وهو عنوان فيلم الخيال العلمي الأمريكي الذي لاقى نجاحا كبيراً في سنة 1977 وأخرجه جورج لوكاش. بعدها ستلهم هذه الملحمة سلسةً من ألعاب الفيديو بأغراض مختلفة.[2] في هذه الفترة بالذات أصبحت كل التمثيلات البصرية، ومنها ألعاب الفيديو بالخصوص، مجالات صراع إيديولوجي مفتوحة، ولم يعد يمكن الحديث بعدها عن أي شيء بصفته مجالاً "ترفيهياً صرفاً". بتوكيدات مختلفة، أصبحت كل النشاطات ذات المغزى الاجتماعي تُستخدم بصفتها "جهازاً إيديولوجياً" بحسب النموذج الذي قدمه الفيلسوف الماركسي لويس الثوسير الذي يفصل بين أجهزة الدولة القمعية وأجهزتها الإيديولوجية. من هذا المنظور لا تختلف ألعاب الفيديو عن أي وسيطٍ إعلاميٍ آخر سوى كونها تقوم بهذه المهمة من خلال آليات برمجية خاصة تسمى "نماذج" أو models. في التمييز بين ألعاب الفيديو ووسائط الاتصال الأخرى تقول هيثر شابلن وآرون روبي أنه في حين يقوم الإعلام السردي بوصف العالم لنا تقوم ألعاب الفيديو بإنزالنا داخله. ولهذا ستكون عوامل الانخراط والمشاركة والتفاعل الآني أكبر مميزات لألعاب الفيديو، وهذا ما يجعلها مختلفة وربما "أكثر خطورة" كما يجادل أتباع المدرسة السلوكية عادة. في ألعاب الفيديو يقوم اللاعبون / اللاعبات بمواجهة تحدي تجربة واكتشاف منطق عالم المحاكاة من خلال فعل اللعب.[3] من هذا المنطلق سأحاول من خلال هذه الورقة دراسة النسخة المعدلة من لعبة فيديو Grand Theft Auto 5 التي أصدرها تنظيم داعش، ووزعتها شبكات جهادية تابعة له، والمسماة GTA 5" صليل الصوارم"، وذلك من أجل معرفة مدى ملائمة هذه الخلفية النظرية لحالة الدراسة هذه.
لعبة فيديو "صليل الصوارم"
لعبة فيديوGTA 5" صليل الصوارم" هي نسخةٌ معدلة لسلسلة ألعاب فيديو الحركة والمغامرات المسماة " Grand Theft Auto التي تصدرها شركة روكستار للألعاب.