الضربات الأمريكيّة من أوباما إلى ترامب: سياسات التردّد تنقذ الأسد

27 نيسان/أبريل 2018
 
ضربنا مطار الشعيرات العام الماضي بـ 59 صاروخ كروز، لكن الأسد لم يرتدع واستخدم الأسلحة الكيماوية من جديد، فكانت هذه الضربة لإضعاف قدراته الكيميائية. هكذا أجمل وزير الحرب الأمريكي جيمس ماتيس مأرب الولايات المتحدة من ضرب قوات الرئيس السوري بشار الأسد مطلع الأسبوع الجاري.
هذه الهجمة الثلاثية أثارت العديد من التساؤلات حول دور الولايات المتحدة كراعٍ للنظام العالمي ومحافظٍ على مبادئ ما بعد الحرب العالمية، وعن دور الثنائي الفرنسي البريطاني وما إذا كان للهجوم الخاطف أي تأثيرٍ على رقعة الصراع السوري أم لا.
 
بادئ ذي بدء لابد من الإشارة إلى عددٍ من الفوارق بين التدخل الأمريكي العام الماضي وبين هذا الحالي، لننطلق من أرضٍ صُلبة يمكن الحجاج عنها، وتتمثل هذه الفوارق أولاً في كون هذا الهجوم ثلاثياً، شاركت فيه ثلاث دولٍ من المعسكر الغربي. كذلك كونه موجهاً ودقيقاً ومحدد الهدف لشل قدرات النظام الكيميائية والبيولوجية كما تقول الدعاية الغربية. ويأتي هذا الهجوم في ظرفٍ دوليٍ فائق الاحتدام بين المعسكرين الروسي والأوروبي، لكن يشتركان في المحصلة بأنهما غير فاعلين.
 
هل كان الهجوم محدداً ودقيقاً؟
 
حصر الجنرال جوزيف دانفورد، رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة، الأهداف التي طالها القصف في ثلاثة أهداف، هي مركز للبحث العلمي بمنطقة دمشق الكبرى، كان النظام يستخدمه لبحث وتطوير واختبار الأسلحة الكيميائية والبيولوجية ومخزناً للسلاح الكيميائي غربي حمص، ومرفق عسكري آخر مُعد لتخزين هذا النوع من الأسلحة إلى جانب كونه مركز قيادة هام.
 
يتوقع الجنرال دانفورد أن تكون هذه الضربة المركزة قد أحدثت خللاً في قدرة النظام الكيميائية والبيولوجية على المدى البعيد، وأنها ستفي بغرض منعه من مجرد التفكير في استخدامه مرة أخرى في مواجهة المدنيين. يتساءل المتابعون عن السبب وراء الانتفاضة الدولية لمواجهة استخدام الأسلحة الكيميائية من قبل نظام الأسد في حين أن البلاد تشهد حرباً بربرية منذ ما ينوف عن السبع سنوات.
 
 
يمثل هذا النوع من الأسلحة ذُعراً عالمياً، ويذكر الأقطار جميعها بإرث الحرب العالمية الأولى وما تبعها قبل أن يُحظر استخدامه عام 1925، ويذكر المؤرخون أن وينستون تشرشل أراد اللجوء إليه في الحرب العالمية الثانية، ولا عجب في ذلك فقد استخدمته بريطانيا بُعيد الحرب العالمية الأولى ضد أكراد العراق عام 1920 وفي أفغانستان، وكان تشرشل وقتها وزيراً للمستعمرات البريطانية. الذعر الأكبر من هذا السلاح خلاف ما تحمله الذاكرة البشرية من فزع أنه لا يُرى بالعين ولا يجدي معه الاختباء في الملاجئ، فقط رائحة فاكهة أو ثوم كما يروي أحد الناجين من مذابح الكيماوي يبدأ الإنسان بعدها في فقدان قدرته على التنفس، يصاحبه في بعض الأحيان العمى وفقدان التحكم بالأعصاب وحروق بالجلد.

وتقدر دراسة أن 15 طناً فقط من هذا السلاح يمكنها أن تقضي على نصف البشر في محيط 60 كيلو متر مربع، ويُتوقع أن مخزون نظام الأسد من السارين يتراوح بين 400 إلى 1000 طن، لكن لا توجد معلومات دقيقة عن حجم الترسانة الكيماوية السورية، برغم تقديرات البي بي سي المتفاوتة سالفة الذكر، لكن التقارير الغربية تشير إلى أنها تتضمن كميات كبيرة من غازات الخردل، الذي يسبب حروقاً خطيرة بالجلد عند ملامسته، وغاز الأعصاب القاتل «فياكس»، والسارين السام بالإضافة إلى المدفعية والصواريخ التي توصلها إلى أهدافها. وبحسب الجنرال يائير نافيه، نائب رئيس الأركان الإسرائيلي، فإن سوريا تمتلك أكبر مخزون في العالم من هذه الأسلحة، لكن هذا التصريح لا يمكن أخذه على وجه الحقيقة، إذ ربما يكون مدفوعاً بالمخاوف الإسرائيلية التقليدية.
 
هذه الترسانة منذ بدء الحرب كانت واحدة من عوامل بقاء النظام السوري، إذ حرصت القوى الغربية على ألا تقع بيد جماعات المعارضة والمتشددين فتكون خطراً على الجار الإسرائيلي. وقد أعلن النظام في وقت مبكر من الاحتراب الداخلي أنه قام بنقل مخزونه الكيماوي، ومهما قيل من تفاصيل بحق المخزون السوري من الكيماوي فإن الأصل هو عدم اليقين، حيث كل المعلومات بشأن أماكن تخزين الكيماوي السوري تقديرية لعدم انضمام سوريا لمنظمة حظر الأسلحة الكيمياوية التي تمتلك سجلات لمخزونات الأسلحة الكيمياوية لدولها الأعضاء فقط.
 
لا يمكن إذن الجزم بمدى التأثير الذي ألحقه الهجوم الثلاثي على القدرات الكيميائية لنظام الأسد. تقول الدعاية الأمريكية أن الضربة كانت مؤثرة على المستويين المادي والمعنوي، بينما يقلل النظام السوري وحليفه الروسي من وقع الهجوم. استعرضت الدول الثلاثة عسكرياً في منطقة نفوذ روسية في ظل توترات هي الأعنف منذ الحرب الباردة، حيث الاتهامات الأمريكية لروسيا بالتدخل في الانتخابات ومحاولة تقويض الديمقراطية لديها، وأزمة دبلوماسية طاحنة بين بريطانيا وروسيا بعد اغتيال الأخيرة للعميل المزدوج سيرجي سكيربال. حاول الرئيس إيمانويل ماكرون إدّعاء مكسبٍ سياسي من الهجوم على الأسد، بالنجاح في التفريق بين موسكو وأنقرة، حيث دعمت الأخيرة التحرك الثلاثي ضد الأسد، بل واعتبرته غير كافٍ لتقويض قدراته الكيميائية، لكن ماكرون يفترض من خلال إدّعاءه حالة غير حقيقية من التحالف بين البلدين. روسيا وتركيا على طرفي نقيض من الأزمة غير أنهما يتعاونان في حدود المصلحة الاستراتيجية، وتعيد حالة الصراع بين روسيا والمعسكر الغربي الأهمية الحيوية لتركيا كونها حلقة وصل ومفتاحاً للشرق والغرب.
 
إذن فكون الهجوم لم يحقق إنجازاً عسكرياً ولم يغير من ديمغرافية الصراع فإن الاستعراض هو الغاية الوحيدة المحققة، التي لا يمكن نفيها من قبل الثلاثي.
 
الشعبويّة العسكرية عقيدة لترامب
 
رايثيون؛ واحدة من أكبر الشركات الأمريكية المتخصصة في أنظمة الدفاع وهي أكبر منتج للصواريخ الموجهة في العالم، قدرت قيمة الصواريخ من نوعية توماهوك كروز التي استهدفت قاعدة الشعيرات الجوية العام الماضي بحوالي 60 مليون دولار. وقدرت مواقع أمريكية كُلفة العملية برمّتها بحوالي 100 مليون دولار. كان مريباً أن تتكلف الولايات المتحدة كل هذه التكلفة نظير تدمير قاعدة جوية متهالكة بها عدد من الطائرات القديمة كردٍ على استخدام الأسد لغاز السارين مطلع نيسان العام الماضي. وللمفارقة فإن الهجوم على الشعيرات العام الماضي كان أكبر عمل عسكري مباشر في ظل إدارة الرئيس ترامب، حتى كان الهجوم الثلاثي الحالي.
بالنظر إلى الحالة العسكرية للهجوم الأخير، اعتمدت المملكة المتحدة على درة تاج دفاعها الجوي، المقاتلة «تورنادو»، ونظيرتها «يوروفايتر تايفون» وكلاهما قادرتان على إطلاق الصواريخ دون الولوج في الأجواء السورية، إضافة إلى قطع بحرية وصواريخ كروز بعيدة المدى، واعتمدت فرنسا على طائرتيها الرافال والميراج «الأسرع من الصوت» وهما أيضاً لديهما القدرة على حمل الصواريخ وإطلاقها بدقة من خارج المجال الجوي السوري. ما يلفت النظر أن كلا الدولتين أطلقتا ما مجموعه 20 صاروخاً من عينة كروز، ثمانية أطلقتها المملكة المتحدة واثني عشر صاروخاً أطلتها فرنسا، بينما أطلقت الولايات المتحدة وحدها 85 صاروخاً منهم 66 من نوعية توماهوك كروز و19 صاروخ أرض - جو.
 
إذا كانت الشعبوية كما عرّفها الباحث الأمريكي مارك فلورباي هي البحث عن الدعم الشعبي المباشر في خطابات السياسيين العامة التي تتحدى المؤسسات التقليدية الديمقراطية، فإن ما يفعله دونالد ترامب عسكرياً يكاد يلامس قلب هذا التعريف. رئيس الولايات المتحدة الأمريكية يبشّر من حسابه على تويتر بتحرك بلاده العسكري الوشيك لردع الأسد -الذي وصفه في ثنايا حديثه بالحيوان-.
 
 
وخلافاً للتفنيد العسكري، فإن الهجوم الثلاثي يأتي متناقضاً مع ما صرح به الرئيس دونالد ترامب الشهر الماضي بولاية أوهايو من أنه يعتزم سحب الجنود الأمريكيين من سوريا، فلو أنه يريد سحق القدرة الكيماوية للأسد لأبقى على جنوده على الأراضي السورية لإنجاز مهام نوعية.
 
تذكّر مقديشيو
 
لا يفتأ الحلفاء الثلاثة يذكّرون أن تدخلهم خاطف وسريع، لا يمكن أن يتطور إلى وجود دائم ولا يسعى بأي شكل لإحداث طفرة على الأرض لصالح أيٍ من الفرقاء المتحاربين، مؤكدين على ضرورة الحل السلمي للنزاع السوري، حتى أن التدخل تميز بأنه تم من خارج الأجواء السورية. وهذا يعيدنا لذاكرة التاريخ العسكري الأمريكي وتحديداً إلى النقطة السوداء التي هُزم فيها جنود النخبة الأمريكيون أمام ميليشيات مسلحة في منطقة توتر، هي الصومال.
 
في ديسمبر (كانون الأول) عام 1992، وافق مجلس الأمن بالإجماع على إرسال قوات حفظ سلام بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية إلى الصومال، بعدما تواترت الأنباء عن موت ثلاثين ألف مواطن صومالي جوعاً، وإبان الحرب تصاعدت أحاديث عن الأطماع الأمريكية فيما يعتقد أنها مصادر بترولية مستقبلية -وهذا الأمر محل جدل إلى الآن-. اشتعلت الحرب بين الصوماليين والقوات الأمريكية وكان المحرض الأول على قتال الأمريكيين محمد فارح عيديد، أحد زعماء الحرب في الصومال، فكان القبض عليه الهدف الأول للجيش الأمريكي.
 
من يناير (كانون الثاني) إلى أكتوبر (تشرين الأول) 1993 اندلعت العديد من الاشتباكات بين القوات المحلية والأمريكيين في مقديشيو، وسقط في هذه الاشتباكات تسعة عشر أمريكياً بعدما أُسقطت طائرتين أمريكيتين، ولُقن الأمريكيون درساً قاسياً عندما وجدوا أنفسهم يقاتلون عن حياتهم في واحدة من أعقد بؤر التوتر في العالم. بقيت هذه المأساة الأمريكية حاضرةً في الذاكرة العسكرية. عندما يفكر الساسة الأمريكيون أن يدخلوا منطقة توتر يًقال لهم دائماً، تذكروا الصومال. وبحسب الكاتب الأمريكي مارك بودن منعتهم هذه الهزيمة من التدخل في رواندا عام 1995، منعتهم أيضاً من وقف الاعتداء الصربي على البوسنة، تسببت في ترددهم قبل إرسال الجنود إلى هاييتي.  
 
سوريا خلافاً لكونها منطقة متوترة عسكرياً فالوجود الروسي يحتم على الولايات المتحدة ألا تتدخل بشكل عميق لئلا تُضطر لخوض حرب كبيرة بلا داعي حقيقي، لاسيما وأن مصالحها في سوريا تبدو متحققة بوجود ألفي جندي أمريكي هناك.
 
هل تورطت تيريزا ماي في هذا الهجوم؟
 
تغيرت ردة الفعل تجاه الضربة الثلاثية في أوروبا عما هي عليه في الولايات المتحدة الأمريكية لاعتباراتٍ عدة. الولايات المتحدة تقوم بالكثير من الأعمال العسكرية حول العالم أما غيرها فلا، وتحمل الذاكرة البريطانية تحديداً إرثاً سيئاً حول التبعية العسكرية للولايات المتحدة على إثر الحرب العراقية، يرون أن توني بلير قد تم تضليله من قبل الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش، وكانت النتائج بالنسبة للمملكة المتحدة كارثية. الأمر ذاته ممكنٌ للحدوث اليوم من قبل الرئيس دونالد ترامب، والخطأ نفسه يمكن أن يتكرر من قبل رئيسة الوزراء ماي.
 
شكك زعيم المعارضة جيرمي كوربين، زعيم حزب العمال البريطاني، في الأساس القانوني الذي اعتمدت عليه ماي، وصرّح أنه كان يمكنها استدعاء البرلمان الأسبوع الماضي أو انتظار عودة البرلمان، وأنها بتحركها كسرت تقليداً بريطانياً يجبر رئيس الوزراء على أخذ موافقة البرلمان قبل المضي في عمل عسكري. شكك كوربين كذلك في جدوى التدخل العسكري لحل الأزمة السورية وأكد على أن جهود الأمم المتحدة يمكنها أن تنجح على الرغم من الفيتو الروسي الحاضر دائماً لحماية نظام الأسد.
 
في فرنسا كانت الاعتراضات حصراً على الأقلية البرلمانية، تصريحات جان لوك ميلونشون، ممثل اليسار المتطرف، التي اعتبرت العملية تصعيداً أمريكياً غير مسؤول، وأن فرنسا تستحق دوراً أفضل من هذا. الأمر نفسه علقت به مارين لوبان منافسة ماكرون في الرئاسيات الماضية. وتحمل ذاكرة فرنسا الشعبية مخاوف التورط في عملية طويلة على غرار تدخلها في ليبيا عام 2011 تحت مظلة الناتو لإسقاط نظام القذافي. لطبيعة النظام الرئاسي في فرنسا كانت المعارضة أقل مما هي عليه في بريطانيا.
 
حاول الرئيس إيمانويل ماكرون إدّعاء مكسبٍ سياسي من الهجوم على الأسد، بالنجاح في التفريق بين موسكو وأنقرة، حيث دعمت الأخيرة التحرك الثلاثي ضد الأسد، بل واعتبرته غير كافٍ لتقويض قدراته الكيميائية، لكن ماكرون يفترض من خلال إدّعاءه حالة غير حقيقية من التحالف بين البلدين. روسيا وتركيا على طرفي نقيض من الأزمة غير أنهما يتعاونان في حدود المصلحة الاستراتيجية، وتعيد حالة الصراع بين روسيا والمعسكر الغربي الأهمية الحيوية لتركيا كونها حلقة وصل ومفتاحاً للشرق والغرب.
 
إذن، فكون الهجوم لم يحقق إنجازاً عسكرياً ولم يغير من ديمغرافية الصراع فإن الاستعراض هو الغاية الوحيدة المحققة، التي لا يمكن نفيها من قبل الثلاثي.
 
 
الهوية العربية في أنبوب اختبار
 
فشلت الدول العربية في الخروج بحالة توافق -ولو نسبية- في تأكيد منهم على غياب القرار العربي حول المشهد السياسي الإقليمي والدولي. جاءت ردود الفعل العربية متباينة؛ بدايةً من رفض الهجوم على الأسد متمثلاً في الموقف اللبناني والعراقي، والجزائري، إلى تردد بعض الدول وإعرابها عن عميق القلق كما في حالة مصر والأردن والمغرب وتونس، انتهاءً بالتأييد التام من دول الخليج وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية وقطر.
 
تبايُن المواقف العربية يأتي معبراً عن اختلاف وجهات النظر إزاء القضية السورية مع اندلاع الثورة وتحولها إلى احترابٍ أهلي. كان الموقف السعودي مؤيداً للتغيير وكان ذلك متفهماً في إطار النزاع السني الشيعي الذي تتزعمه المملكة السعودية والجمهورية الإيرانية. الموقف القطري المؤيد للهجوم يعكس موقف قطر من الثورة هي الأخرى منذ بداياتها.
 
الموقف الجزائري الرافض للهجوم هو الآخر يأتي انعكاساً للموقف الجزائري الكلي الداعم لنظام الأسد، ولا تتوه عن الأذهان الزيارة التي قام بها الوزير الجزائري عبدالقادر مساهل إلى سوريا قبل عامين، والتقائه رموز النظام السوري. العراق ولبنان أكّدتا على ضرورة دعم المسار السياسي وتجنب التصعيد العسكري أياً كانت أطرافه، وعليه ندّدتا بالهجوم.
 
الموقف المصري الحائر لم يكن هو الآخر بدعاً من المواقف إذ يتسق مع الخط العام للسياسة المصرية في عهد الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، الداعم لبقاء الأسد في الحكم -انطلاقاً من نقمته على الربيع العربي وجماعات الإسلام السياسي- والحليف للسعودية والإمارات والولايات المتحدة الأمريكية. تبعه الموقف الأردني والمغربي.
 
ورغم أن الأزمة السورية تدخل عامها الثامن إلا أن موقفاً عربياً إزاءها لم يتشكل بعدُ، وهذا منطقي في ظل الطبيعة الطائفية للصراع، حيث تشكل بذرته الصلبة -الطائفية- نواةً للالتفات عن العروبة، فالنظام السوري مرتبط تمام الارتباط بإيران كنتيجة حتمية للوعي المذهبي/ الطائفي والمعارضة هي الأخرى في كثيرٍ من فصائلها تلتف على العروبة بمفاهيم مذهبية سلفيّة، غذتها في الأيام الأولى للثورة النزعة الوهابيّة. لم يختلف طرفا الصراع ابتداءً حول الديمقراطية مع التأكيد على العروبة كمرجعية، وهي الأزمة الهوياتية التي لا تفتأ حركات المعارضة في مختلف بلداننا العربية تقع فيها، في ظل وجود ممولين غير مؤمنين بالعروبة، وحاضنين ليسوا في الأصل عرباً كالأتراك وحلفاء كالفُرس، وسط غياب تام لدول ضعفت من جراء الحرب كالعراق أو من جراء التبعية كمصر.
 
تذوب الهويّة العربيّة وتعود هذه المساحة الجغرافية إلى ما قبل أواخر القرن التاسع عشر حيث العرب كانوا تبعاً للعثمانيين والصفويين، وعليه تتصرف كل بلد بما تعتبره مصالحها الخاصة من غير إدراكٍ جامع، في غياب المشروع السياسي العربي.
 
خلاصة
 
لم يأتِ الهجوم على نظام الأسد بجديد غير الاستعراض الغربي في حضرة الدب الروسي للتأكيد على التفوق الغربي العسكري في ظل حالة التوتر الآنية. وهذا الاستعراض إنما يعكسُ تردداً غربياً إزاء الحرب في سوريا فلا حسم في هذا الميدان إلا للأسد وحلفائه الروس والإيرانيين. شعبوية دونالد ترامب السياسية والعسكرية تتبدى على نطاقٍ أوسع هذه المرة، ورغم انتقاده لتلكؤ الرئيس السابق أوباما إزاء الأوضاع في سوريا وتحميله إياه التبعات إلا أنه يفعل الشيء نفسه لكن مع بعض البروباغندا. كذلك الحالة العربية تظهر في صورتها الحقيقية الباهتة الفاقدة للمشروع والهوية إلا من بعض الرطانة كالحرب على الإرهاب والحفاظ على البلدان من الانهيار.
إبراهيم بديوي

كاتب مصري، مهتم بالعلاقات الدولية وشؤون الشرق الأوسط، عمل كاتبًا لعدد من الدوريات الإلكترونية العربية.

اترك تعليق*

* إرسال التعليق يعني موافقة القارئ على شروط الاستخدام التالية:

- لهيئة التحرير الحق في اختصار التعليق أو عدم نشره، وهذا الشرط يسري بشكل خاص على التعليقات التي تتضمن إساءة إلى الأشخاص أو تعبيرات عنصرية أو التعليقات غير الموضوعية وتلك التي لا تتعلق بالموضوع المُعلق عليه أو تلك المكتوبة بلهجة عامية أو لغة أجنبية غير اللغة العربية.

- التعليقات المتكوبة بأسماء رمزية أو بأسماء غير حقيقية سوف لا يتم نشرها.

- يرجى عدم وضع أرقام هواتف لأن التعليقات ستكون متاحة على محرك البحث غوغل وغيره من محركات البحث.